فصل: قال ابن الجوزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {وأَدْخِلْ يَدَكَ في جَيْبِكَ}.
الجَيْب حيث جِيبَ من القميص، أي: قُطِع.
قال ابن جرير: إِنَّما ًامر بادخاله يده في جيبه، لأنه كان عليه حينئذ مِدْرَعة من صوف ليس لها كُمّ.
والسُّوء: البَرَص.
قوله تعالى: {في تِسْعِ آيات} قال الزجاج: {في} مِنْ صلة قوله: {وأَلْقِ عصاك} {وأدخل يدك}، فالتأويل: أظْهِر هاتين الآيتين في تسع آيات.
و{في} بمعنى مِنْ، فتأويله: مِنْ تسع آيات؛ تقول: خذ لي عشرًا من الإِبل فيها فحلان، أي: منها فحلان، وقد شرحنا الآيات في [بني إِسرائيل: 101].
قوله تعالى: {إِلى فرعون وقومه} أي: مٌرْسَلًا إِلى فرعون وقَومِه، فحذف ذلك لأنه معروف، {فلما جاءتهم آياتُنا مُبْصِرَةً} أي: بيِّنة واضحة، وهو كقوله: {وآتَينا ثمودَ الناقةَ مُبْصِرَةً} [الاسراء: 59] وقد شرحناه.
قوله تعالى: {قالوا هذا} أي: هذا الذي نراه عِيانًا {سِحْرٌ مُبِين} {وجَحَدوا بها} أي: أنكرها {واستَيْقَنَتْها أنْفُسُهم} أنّها مِنْ عند الله، {ظُلْمًا} أي: شِركًا {وعُلُوًّا} أي: تكبرًا.
قال الزجاج: المعنى: وجحدوا بها ظُلمًا وعُلُوًّا، أي: ترفُّعًا عن أن يؤمِنوا بما جاء به موسى وهم يعلمون أنها من عند الله. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سواء}.
تقدم في طه القول فيه.
{فِي تِسْعِ آيَاتٍ} قال النحاس أحسن ما قيل فيه أن المعنى: هذه الآية داخلة في تسع آيات.
المهدوي: المعنى: {أَلْقِ عَصَاكَ} {وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ} فهما آيتان من تسع آيات.
وقال القشيري معناه: كما تقول خرجت في عشرة نفر وأنت أحدهم.
أي خرجت عاشر عشرة.
ف {في} بمعنى {من} لقربها منها كما تقول خذ لي عشرًا من الإبل فيها فحلان أي منها.
وقال الأصمعي في قول امرىء القيس:
وهل يَنْعَمَنْ من كان آخرُ عهدِه ** ثلاثين شهرًا في ثلاثة أحوالِ

في بمعنى من.
وقيل: في بمعنى مع؛ فالآيات عشرة منها اليد، والتسع: الفلق والعصا والجراد والقُمَّل والطوفان والدم والضفادع والسنين والطَّمْس.
وقد تقدّم بيان جميعه.
{إلى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ} قال الفرّاء: في الكلام إضمار لدلالة الكلام عليه، أي إنك مبعوث أو مرسل إلى فرعون وقومه.
{إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْمًا فَاسِقِينَ} أي خارجين عن طاعة الله؛ وقد تقدّم.
قوله تعالى: {فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً} أي واضحة بينة.
قال الأخفش: ويجوز مَبصْرَة وهو مصدر كما يقال: الولد مَجْبَنة.
{قَالُواْ هذا سِحْرٌ مُّبِينٌ} جروا على عادتهم في التكذيب فلهذا قال: {وَجَحَدُواْ بِهَا واستيقنتهآ أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} أي تيقنوا أنها من عند الله وأنها ليست سحرًا، ولكنهم كفروا بها وتكبروا أن يؤمنوا بموسى.
وهذا يدلّ على أنهم كانوا معاندين.
و{ظُلْمًا} و{عُلُوًّا} منصوبان على نعت مصدر محذوف، أي وجحدوا بها جحودًا ظلمًا وعلوًا.
والباء زائدة أي وجحدوها؛ قاله أبو عبيدة.
{فانظر} يا محمد {كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المفسدين} أي آخر أمر الكافرين الطاغين، انظر ذلك بعين قلبك وتدبر فيه.
الخطاب له والمراد غيره. اهـ.

.قال أبو حيان:

{وأدخل} أمر بما يترتب عليه من ظهور المعجز العظيم، لما أظهر له معجزًا في غيره، وهو العصا، أظهر له معجزًا في نفسه، وهو تلألؤ يده كأنها قطعة نور، إذا فعل ما أمر به.
وجواب الأمر الظاهر أنه تخرج، لأن خروجها مترتب على إدخالها.
وقيل: في الكلام حذف تقديره: وأدخل يدك في جيبك تدخل، وأخرجها تخرج، فحذف من الأول ما أثبت مقابله في الثاني، ومن الثاني ما أثبت مقابله في الأول.
قال قتادة: {في جيبك} قميصك، كانت له مدرعة من صوف لا كمين لها.
قال ابن عباس، ومجاهد: كان كمها إلى بعض يده.
وقال السدي: في جيبك: أي تحت إبطك.
والظاهر أن قوله: {في تسع آيات إلى فرعون} متعلق بمحذوف تقديره: اذهب بهاتين الآيتين: {في تسع آيات إلى فرعون}، ويدل عليه قوله بعد: {فلما جاءتهم آياتنا مبصرة}، وهذا الحذف مثل قوله:
أتوا ناري فقلت منون أنتم ** فقالوا الجن قلت عموا ظلامًا

وقلت إلى الطعام فقال منهم ** فريق يحسد الإنس الطعاما

التقدير: هلموا إلى الطعام.
وقال الزمخشري: ويجوز أن يكون المعنى: وألق عصاك، وأدخل يدك، في {تسع آيات}، أي في جملة تسع آيات.
ولقائل أن يقول: كانت الآيات إحدى عشرة، ثنتان منها: اليد والعصا، والتسع: الفلق، والطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، والطمسة، والجذب في بواديهم، والنقصان من مزارعهم. انتهى.
فعلى الأول يكون العصا واليد داخلتين في التسع، وعلى الثاني تكون في بمعنى مع، أي مع تسع آيات.
قال ابن عطية: {في تسع آيات} متصل بقوله: ألق، وأدخل، وفيه اقتضاب وحذف تقديره: تمهد ذلك وتيسر لك في جملة تسع آيات وهي: العصا، واليد، والطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، والطمس، والحجر؛ وفي هذين الأخيرين اختلاف، والمعنى: يجيء بهنّ إلى فرعون وقومه.
وقال الزجاج: في تسع آيات، أي من تسع آيات، كما تقول: خذ {لي} عشرًا من الإبل فيها فحلان، أي منها إلى فرعون، أي مرسلًا إلى فرعون. انتهى.
وانتصب {مبصرة} على الحال، أي بينة واضحة، ونسب الإبصار إليها على سبيل المجاز، لما كان يبصر بها جعلت مبصرة، أو لما كان معها الإبصار والوضوح.
وقيل: لجعلهم بصراء، من قول: أبصرته المتعدية بهمزة النقل من بصر.
وقيل: فاعل بمعنى مفعول، كماء دافق.
وقرأ قتادة، وعلي بن الحسين: مبصرة، بفتح الميم والصاد، وهو مصدر، كما تقول: الولد مجبنة، وأقيم مقام الاسم، وانتصب أيضًا على الحال، وكثر هذا الوزن في صفات الأماكن نحو: أرض مسبعة، ومكان مضية.
قال الزمخشري: أي مكانًا يكثر فيه التبصر. انتهى.
والأبلغ في: {واستيقنتها} أن تكون الواو واو الحال، أي كفروا بها وأنكروها في الظاهر، وقد استيقنت أنفسهم في الباطن أنها آيات من عند الله، وكابروا وسموها سحرًا.
وقال تعالى، حكاية عن موسى في محاورته لفرعون: {قال لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السموات والأرض بصائر} {ظلمًا} مجاوزة الحد، {وعلوًا} ارتفاعًا وتكبرًا عن الإيمان، وانتصبا على أنهما مصدران في موضع الحال، أي ظالمين عالين؛ أو مفعولان من أجلهما، أي لظلمهم وعلوهم، أي الحامل لهم على الإنكار والجحود، مع استيقان أنها آيات من عند الله هو الظلم والعلو.
واستفعل هنا بمعنى تفعل نحو: استكبر في معنى تكبر.
وقرأ عبد الله، وابن وثاب، والأعمش، وطلحة، وأبان بن تغلب، وعليًا: بقلب الواو ياء، وكسر العين واللام، وأصله فعول، لكنهم كسروا العين اتباعًا؛ وروي ضمها عن ابن وثاب والأعمش وطلحة، وتقدم الخلاف في كفر العناد، هل يجوز أن يقع أم لا؟ والعاقبة: ما آل إليه قوم فرعون من سوء المنقلب، وما أعد لهم في الآخرة أشد، وفي هذا تمثيل لكفار قريش، إذ كانوا مفسدين مستعلين، وتحذير لهم أن يحل بهم مثل ما حل بمن كان قبلهم. اهـ.

.قال أبو السعود:

{وَأَدْخِلْ يَدَكَ في جَيْبِكَ}.
لأنَّه كان مدرعةَ صوفٍ لا كم لها وقيل: الجيبُ القميصُ لأنَّه يُجاب أي يُقطع {تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوء} أي آفة كبَرَصٍ ونحوه {فِى تِسْعِ ءَايَاتٍ} في جُملتها أو معها على أنَّ التِّسعَ هي الفَلْقُ والطُّوفان والجرادُ والقُمَّلُ والضَّفادعُ والدَّمُ والطَّمسةُ والجَدبُ في بواديهم والنُّقصان في مزارعِهم ولمن عدَّ العصَا واليدَ من التسعِ أن يعدَّ الأخيرين واحدًا ولا يعدُّ الفَلْق منها لأنه لم يُبعث به إلى فرعونَ أو اذهب في تسع آيات على أنه استئنافٌ بالإرسالِ فيتعلَّق به {إلى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ} وعلى الأولين يتعلَّق بنحو مبعوثًا أو مرسلًا {إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْمًا فاسقين} تعليل للإرسالِ أي خارجين عن الحدود في الكفرِ والعُدوان.
{فَلَمَّا جَاءتْهُمْ ءاياتنا} وظهرتْ على يدِ مُوسى {مُبْصِرَةً} بينة اسم فاعلِ أطلق على المفعول إشعارًا بأنَّها لفرطِ وضوحِها وإنارتِها كأنَّها تُبصر نفسَها لو كانت ممَّا يبُصر أو ذاتُ تبصُّرٍ من حيث أنها تهدي والعمي لا تهتدي فضلًا عن الهدايةِ أو مبصرة كلَّ مَن ينظر إليها ويتأمَّلُ فيها وقرىء مَبْصرة أي مكانًا يكثُر فيه التَّبصرُ.
{قَالُواْ هذا سِحْرٌ مُّبِينٌ} واضحٌ سحريته.
{وَجَحَدُواْ بِهَا} أي كذَّبوا بها {واستيقنتها أَنفُسُهُمْ} الواو للحالِ أي وقد استيقنتها أي علمتها أنفسُهم علمًا يقينيًا {ظُلْمًا} أي للآياتِ كقوله تعالى: {بِمَا كَانُواْ بآياتنا يَظْلِمُونَ} ولقد ظلُموا بها أيَّ ظلم حيث حطُّوها عن رتُبتها العاليةِ وسمَّوها سحرًا وقيل ظُلمًا لأنفسِهم وليس بذاك {وَعُلُوًّا} أي استكبارًا عن الإيمان بها كقوله تعالى: {والذين كَذَّبُواْ بآياتنا واستكبروا عَنْهَا} واتنصابهُما إما على العلَّةِ من جحدُوا بها أي على الحاليةِ من فاعله أي جحدُوا بها ظالمين لها مستكبرين عنها {فانظر كَيْفَ كَانَ عاقبة المفسدين} من الإغراقِ على الوجهِ الهائل الذي هو عبرةٌ للعالمين، وإنَّما لم يذكر تنبيهًا على أنَّه عرضة لكلِّ ناظرٍ مشهور فيها بين كل بادٍ وحاضرٍ. اهـ.